soul

حركتا الشيخ عثمان بن محمد بن فودي ومحمد أحمد به عبدالله المهدي وآثارهما

Jul 22nd 2011, 3:36 am
Posted by yanogo
1068 Views
حركتا الشيخ عثمان بن محمد بن فودي ومحمد أحمد به عبدالله المهدي وآثارهما  
بروفيسور عثمان سيداحمد اسماعيل

حركتا الشيخ عثمان بن محمد بن فودي 1168 – 1232 هـ

 

(1754 – 1817م)

 

ومحمد أحمد به عبدالله المهدي 1260 – 1302هـ ( 1844 – 1885م) وآثارهما

 

 

 

البروفيسور عثمان سيداحمد اسماعيل

 

 

 

لاتزال نظرتنا للعالم الإسلامي ولتاريخ الأمة الإسلامية تحدها القومية والشعوبية والإقليمية ولاتزال دراساتنا في التاريخ الإسلامي ، وعلي الخصوص في جامعاتنا التي أسست علي الفكر الغربي والمنهجية الغربية ولما تتأصل بعد ، رهينة لتلك النظرة ، يحدث هذا في حين أن مدارسالتاريخ الإسلامية وعلي اختلافها ، تقوم علي وسطية الرسالة المحمدية ، ومن ثم فإن اهتمامها بحركة التاريخ في اطار الزمان والمكان والحوادث أنما كان بالأمة الإسلامية كامتداد طبيعي بل وضروري لانتشار الدعوة وسيادة الرسالة الخاتمة الخالدة ولم تكن تلك المدرسة ، قد تحددت ركائزها الفكرية والمنهجية لتغفل ما يرتبط لعلم التاريخ مع مشيئة الله وقدرته من علوم الأجتماع والإنسانيات والعلوم والصناعات وحتي الكوارث والتغيرات الطبيعية . هكذا كان الطبري والمسعودي . وهكذا كان أبن خلدون في تارخه الذي اشتهرت وبحق مقدمته كخلاصة للفكر الإنساني عامة في ماذهبت إليه من تأصيل وتنظير لعلوم السياسة والتاريخ والنظم والاجتماع .

 

أثبتت تلك المدرسة أن منطلقات الجماعة المسلمة الأولي لم تكن كما نشأ فيه من جاهلية وقبلية واقليمية وعرقية بل علي ما نشأها عليه الرسول من دين الإسلام الحنيف ، وهكذا كان بلال سيدا ، وكان سلمان سيدا ، وكان اسامة قائدا تنعفر أقدام الخليفة الصديقة رضي الله عنه وهو يودعه إذ ذهب ليدافع عن الرسالة وعن الجماعة وعن البيضة وهكذا كان العديد من الخلفاء والسلاطين والامراء من أمهات أولاد ، مختلفات الأعراق والأحساب والأنساب – مصداق قوله تعالي أنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم .

 

لولا ذلك لما كان فتح ، ولما كان انتشار للإسلام ولدار الإسلام داخل الجزيرة العربية نفسها بل خارجها ، ولما كانت تلك الحركة المستمرة في انتشار الإسلام خارج حوزة الخلافة أو الامارات والدويلات المسلمة وبعيدا عنها احيانا كثيرة ، انتشارا لاينفك يخلق جماعة مسلمة ، جماعات لافتأ بدورها تواصل نشر الدعوة ، ثم تعمل جاهدة علي خلق الأطر والظروف اللازمة لوجودها كجماعة مسلمة ، لهذا كان انتشار الإسلام بهذه الصورة ، خارج ما تم للخلافة من حوزة وفتح ، أكبر رفعة وأكثر اناسي مما كان في داخلها . لماذا ؟ لأن هذه طبيعة انتشار الإسلام منذ أن كان منذ أيام الرسول ، فولا أن قوتل الرسول والمسلمون الأوائل ، ثم قالوا ربنا الله ، واخرجوا من ديارهم ، وتظاهرت القوي المعاصرة علي حربهم لما كان قتال . ولهذا أيضا يظل الجهاد فرضا متي ما تهيئات له الاسباب .

 

ما كان انتشار الإسلام في إفريقيا يخالف في جوهره وصور أنتشاره ايام الرسول عليه افضل الصلاة والسلام . دعوة للتوحيد ، وهداية لسنة رسول الله تتواتر عبر الزمان والمكان ، يقوم بها تجار أو علماء أو معلمون أو رحالة عابرون ، يتصلون ويتفرقون بصور شتي بمن يعبرون ديارهم ، يقيمون فيها بعض الوقتيتعلمون لغاتهم وعاداتهم يعلمونهم مما علمهم الله ، يسعون بينهم بما يعرفون ويستطيعون من خير وما عندهم من تجربة وحكمة في الطب ، وفي التجارة ، وفي الزراعة ، وفي التعليم ، وفي اساليب الحكم وسياسة البلاد والعباد .

 

وهكذا كانت الحركتان مدار هذا البحث جزءا من حركة انتشار الإسلام في إفريقيا خارج دار الخلافة ، بلا فتح أو تدبير من قوي خارج الجماعة المعنية أو من خارج بلادها.

 

غير أننا وقد اشرنا إلي الطبيعة الاصلية في إنتشار الإسلام ( أدع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) الآية – نعود لنشير لوسطية عالم الإسلام جغرافيا واقتصاديا واستراتيجيا ، فقد كانت هذه الوسطية عاملا فاعلا في انتشار الإسلام ولاتزال . وهنا أيضا نعود لكتابات الجغرافيين المسلمين الأوائل لنجد أنها كانت ، بحكم الموقع وبحكم الفكر ، تجعل مركز عالمها دار الإسلام ، وتنطلق من نظرة شمولية للأرض ، والمناخ والإنسان ، دار الخلافة جلباب، وسطه جزيرة العرب ، كمان يمتدان شرقا في آسيا وغربا في مصر وشمال إفريقيا إلي اقصي المغرب ، الكتب موسومة (البلدان) و( الارض) و( الاقاليم ) هكذا كان الحال مع البغدادي والحموي والأدريسي والإفريقي وغيرهم .

 

ولا يخفي أن النظرة الاقليمية المناخية تفسر بوضوح أكثر من النظرة القارية حركات إنتشار الإسلام لاسيما في البلدان موضع دراستنا هذه . بلاد سودان وادي النيل " تناخم جزيرة العرب ، بينما أخدود هو البحر الأحمر ، ونوبة السودان امتداد لنوبة مصر ، وغرب بلاد سودان وادي النيل أبوابه من زويلة وطبرق وفزان ، أما بلاد الهوسا بنيجيريا فهي متصلة بالساحل العربي في بلاد المغرب مع بلاد الشنقيط وغانا وتمبكتو وصنغاي وبلاد الكانم برنو والأبواب مشرعة إليها من مصر والسودان وبلاد شمال إفريقيا .

 

يجدد المؤرخ الالماني " تشنر " في كتابه المنشور عام 1944 عن تاريخ الخلافة مايسميه مواطن العرب في خرائط عدة كمفتاح لفهم وتتبع انتشار الإسلام ودولته ، وقد تبعه كثيرون في تقصي هذه الحقيقة مما يساعد كثيرا علي فهم قيام الجماعات المسلمة في القاصية من النواحي من قلب دار الإسلام ونشأة وطبيعة الدويلات فيها من هؤلاء المستشرفين هربك ولفتسكي من براغ وفيح أوليفر مؤرخي التاريخ الإفريقي البريطانيين بينما ينفرد المؤرخ النيجري بالتجنس البريطاني الاصل المسلم دينا عبدالله سميث اذلي توفي في اغسطس 1984م بأنه بحق ابو مدرسة التاريخ الإسلامي الإفريقي خصوصا فيما يتعلق بتاريخ الخلافة العثمانية الصكتية التي أنشأها الشيخ عثمان ابن فودي وما يتعلق بالمصادر العربية الإسلامية في نيجيريا ، عليه رحمة الله ، وهناك عديدون من المؤرخين السودانيين والنيجيريين من صناع مدرسة عبدالله سميث ومن تلاميذها منهم من السودان المرحوم الأستاذ الدكتور محمد أحمد الحاج والاستاذ الدكتور عزالدين أحمد موسي والدكتور تاج السر العراقي ومن النيجيريين الاستاذ الدكتور سعد أبوبكر والاستاذ الدكتور مهدي أدمو والدكتور محمود نكر والدكتور بابا ابوبكر عليو كما أن من الملمين بالمخطوطات العربية الإسلامية أحمد محمد الكاني الهوسي الأصل السوداني الجنسية وغيرهم كثيرون .

 

هاجر المسلمون لإفريقيا للحبشة ، ولما يهاجر الرسول للمدينة بعد ووجد الإسلام والمسلمون سبيلهم إلي بلاد النوبة المسيحية آنذاك قبل أن تنتهي الخلافة الراشدة ، وأن مسجد دنقلا العتيق بعد بحق من اقدم المساجد الإسلامية فقد بني في ظل دولة نوبية مسيحية وهو دليل علي كيفية إنتشار الإسلام بلا فتح أو دعوة منظمة منذ العقود الأولي للإسلام وللخلافة . أن قصة رماة الحدق الذين أوقفوا جيش عبدالله بن سعد آبان فتح مصر وولاية عمرو بن العاص في خلافة عمر بن الخطاب عام 20 من الهجرة في شمال سودان النيل تقابلها قصة معاهدة البقط (الإتفاق) التي تؤكد حرية المسلمين ببلاد النوبة بمملكة علوة المسيحية وتؤمن سلامة مسجدهم الذي أقموه في دنقلا عاصمة تلك المملكة ، وفي جزيرة لبب ( جزيرة الإشراف ) قريبا من دنقلا تلك ولد محمد أحمد بن عبدالله المهدي في 27 رجب من عام 1260 هـ (12/8/1844) أما الشيخ عثمان بن فودي فقد ولد قبل ذلك بما يقرب من قرن من الزمان في يوم الاحد 29 صفر عام 1179 هـ في ماراتا في غوبر من بلاد الهوسا من نيجيرا من أسرة علماء من الفلانيني عريقة في العلم بل أن كلمة فودي بالفلانية تعني المعلم ، والفلانيون لاسيما اسر العلماء منهم قد اختلطوا بالعرب والطوارق وبالبربر وربما باليهود أيضا كما يذكر محمد بن بل بن فودي في آخر كتابه أنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور تنتشر في أوساط الهوسا اسطورة ترجع أصل مؤسستي ممالك الهوسا السبع إلي بغدادي اسمه بايزيد ينطقونها ( باجدا ) والأسطورة أنه قتل ساحر ثعبان في بئر معروفة ف يدورا وتزوج الملكة وانجب منها سبعة أبناء اصبحوا حكام ممالك الهوسا السبعة الأصلية وهي كانو ، ورانو ، وكثنه ، وزكرك ، ودورا ، وغوبر ، وغارن قبس ، ولعل في ذلك إشارة إلي ما كان يحدث بالفعل من اتصال بين العرب المسلمين والحكام وغيرهم من أسر الهوسا والفلاني الحاكمة وغير الحاكمة .

 

وموطن المهدي ( سودان وادي النيل )هو بلاشك الاقرب من موطن الرسالة والالصق بدار الإسلام تاريخا وأهله أكثر انصهارا في الحضارة العربية الإسلامية دينا ولغة وإلي حد كبير اعراقا كذلك ، وليس هذا مجال شرح ذلك أن كان يحتاج إلي شرح ، ومع ذلك فإن ظهور الجماعات الإسلامية الكبيرة ثم الدويلات والممالك الإسلامية يبدو أنه كان أسبق في سودان المغرب وبلاد الهوسا والكانم برنو منه في بلاد سودان وادي النيل ، ولعل مرد ذلك إلي أن الإسلام لم يأخذه شكله السياسي في سودان النيل لييسر انتشاره حول الممالك النوبية المسيحية التي كانت تنتقل عواصمها للداخل حتي انتهت بسوبا وهي الآن جزء من الخرطوم العاصمة ، ولعدم ظهور الجماعات القوية المتماسكة سياسيا والطامعة في السلطان حتي ظهور السلطنة الزرقاء بسنار في مطلع القرن السادس عشر الميلادي . ثم لا شك أن التعامل بين المسلمين والمسيحيين ككتابيين يختلف عن التعامل بين المسلمين في سودان المغرب وبلاد الهوسا والكانم برنو وبين حكامهم وأهلهم من الوطنيين ، أن المصادر لتؤكد وجود مساجد ومناطق تجمع مسلمين بمملكة غانا منذ القرن الثامن الميلادي أي الثاني من الهجرة ، وعلي أية حال فإن الممالك المسلمة بغانا وصنغاي والكانم برنو كانت موجودة في حوالي القرن الحادي عشر الميلادي والرابع الهجري . وفي ممالك الهوسا ومنها غوبر التي ولد في أحدي مدنها الصغيرة ( ماراتا ) الشيخ عثمان بن محمد بن فودي ، قامت تلك الممالك وعلي رأس بعضها ملوك مسلمون حوالي أواخر القرن الخامس عشر ، أما في بلاد سودان وادي النيل فقد تأكدت غلبة الإسلام السياسية بظهور ممالك المسبعات وتقلي في غرب السودان ومملكة الفونج بسنار في وسط وشمال السودان في القرنين الخامس عشر والسادس عشر .

 

لعلنا قد لمسنا التجانس والتباين بين الارضيتين اللتين قامت فيها الحركتان من ملاحظتنا العابرة فيما تقدم ، اصلة بعالم العرب والإسلام ، انتشار الإسلام ، جماعات ومعالم كالتجمعات السكنية والمساجد ثم ظهور الدويلات والممالك ، مع حركة في ظل دولة مسيحية تتأكل مع الزمن وينحصر سلطانها علي ضفاف النيل شمالا وقريبا منه ، وحركة أخري في عالم وثني ذي قوة سياسية واقتصادية واجتماعية لم تكن لتنتهي كما انتهت الممالك المسيحية في السودان بلا مواجهة تذكر بل كان لابد من هجرة وجهاد . وهكذا كان كتاب ( بيان وجوب الهجرة ) لعثمان بن محمد بن فودي هو نقطة التحول الفكري في كتاباته بل وفي حياته وحياة ومستقبل جماعته . لقد كتب قبله الكثير وكتب بعده الكثير لكن ذلك الكتاب ( الذي حققه وطبعه الاستاذ الدكتور فتحي المصري ) هو البيان المنهجي للخروج عن مجتمع الكفر والتخليط وعلماء السوء والشعوذة لمجتمع جديد يقوض أركان ذلك المجتمع ويبني عن انقاضها دولة مسلمة هي دولة الخلافة العثمانية الصكتية تلك الخلافة التي لم تنته إلا في مطلع القرن العشرين من الميلاد علي يد الإنجليز ، ولقد كان لمهدي السودان ايضا هجرته وكانت له كتاباته في منشوراته المشهورة الحاثة علي الهجرة والجهاد . وعلي الرغم من أن حركته قد اعقبت حركة ابن فودي بأقل من القرن بقليل فق انتهت دولة المهدية أيضا علي يد الإنجليز عند مشارف القرن العشرين .

 

إن الظاهرة الجديرة بالاهتمام حقا في حركة عثمان بن محمد بن فودي هي كونها حركة جهاد لاخماد البدع واحياء السنة ، قام بها عالم جليل ابن عالم جليل مع مجموعة من العلماء منهم أخوه الشيخ عبدالله بن فودي وابنه الخليفة السلطان الشيخ محمد بل بن عثمان ، ومن قبلهم شيوخه الذين ذكرهم في مؤلفاته كما ذكرهم الشيخ عبدالله بن فودي في كتابه المنشور المترجم إلي اللغة الإنجليزية الموسوم " ايداع النسوخ في من أخذت منهم من الشيوخ " وكما تحدث عنهم وعن العلماء ببلاد التكرور السلطان محمد بل في كتابه المشار إليه آنفا( انفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور " لابد هنا أن يرد في الخاطر ما كان يحدق بالعالم الإسلامي كله في تلك الفترة من مشاكل من الداخل بطغيان الدبع والبعد عن سنة الرسول ، ومن الخارج الهجمة الاستعمارية الشرسة علي بلاد المسلمين في آسيا وإفريقيا ، وتفشي العادات الوافدة مع الاحتكاك بالغرب وفلول الدولة العثمانية المحتضرة حضارة وتجارة مثل عادة شرب الخمور وشرب التبغ والزيف في المعاملات والحيف والطغيان والتفسخ السلوكي . لكن الذي لم يكن ليخطر علي بال الكثيرين هو أن المواجهة في العالم الإسلامي كله كانت واحدة مع تقارب في الزمن وتباعد في المكان ، وهكذا تشكل الحركة السلفية بالجزيرة العربية ، وحركة دان فودي ببلاد الهوسا ، ثم حركة المهدي بالسودان ، تشكل هذه الحركات الثلاث جزءا هاما من منظومة مازت انتفاضات الأمة الإسلامية في أماكن عديدة من آسيا وإفريقيا رغم البعد بفكر واحد وفي اتجاه واحد ولسبب واحد . فالفكر هو أحياء التوحيد والسنة والنجاة هو تحرير الجماعة من نقائصها اولا ثم من اعدائها من الداخل والخارج ، والسبب هو القيام بواجب الدعوة والرسالة فرض الكفاية الذي يصبح فرض عين عندما يتكالب علي الأمة المسلمة اعداؤها ، وعندما يغطي جوهر عقيدتها الجهل والضلال .

 

ما كان الشيخ عثمان بن فودي يهييء نفسه لملك أو سلطان ولكنه نذر نفسه وبوضوح من أول أيامه للعلم والتعليم بعد أن حفظ القرآن ، وتعلم الحديث والفقه واطلع علي مؤلفات الكثيرين من كتب السلف ، واحتك بالكثيرين من علماء بلده وعصره مباشرة وفكرا ، وهنا أيضا نلفت الأنظار إلي أن عالم غرب إفريقيا كان يعج بالعلماء والمؤلفات وكان علي اتصال دائم بعالم الإسلام في المغرب ، وفي مصر ، وفي الشام ، وفي الحجاز ، إن علماء مثل المغيلي ، وأحمد بابا التنبكتي ، والسيوطي ، كانوا علي اتصال بعلماء تلك المنطقة وقد ذكر العديد منهم أحمد باباب في كتابه " كفاية المحتاج " إن ما وجد من آلاف المخطوطات والمطبوعات في نيجيريا يؤكد بوضوح هذه الحقائق ، بل أن ما وجد بها من تأليف للشيخ عثمان بن فودي ، وأخيه الشيخ عبدالله ، وابنه محمد بل ، وابنته الشاعرة أسماء يقارب الثلاثمائة مؤلف ، واغلبها الغالب باللغة العربية ، وبعضها بلغة الفلاني ، وبعضها بلغة الهوسا ، فيها النشر البليغ وفيها الشعر البديع ، هذه حقيقة جديرة بالتأمل والاعتبار فحركة الفكر والتاليف الإسلامي العربي في تلك الفترة ، وباعتبار جودة تلك المؤلفات فكرا واصالة واسلوبا ولغة ، تفتح بابا واسعا لدارسي حركة ازدهار الفكر الإسلامي ، والتأليف العربي في وقت يعده المؤرخون وقت جمود وركود ، حتي ما اشاعه الكثيرون عن قفل باب الاجتهاد لم يكن مقبولا عند الشيخ عثمان واساتذته وتلاميذه إذا قال ما معناه أنه بعد الكتاب وما تأكد من السنة فالعلماء السابقون رجال ونحن رجال ( ولقد تهيأ لي بفضل الله أن اطلع علي العديد من تلك المؤلفات قرابة الستة أعوام وهي لاشك عندي من أهم كتب التراث العربي الإسلامي بصورة عامة ، والفكر المالكي والاجتهاد فيه بصورة خاصة ، وهي بذلك جديرة بالرعاية والعناية والدراسة الجادة فقد اسهموا كثيرا في الفكر الإسلامي وفي السياسة وفي النظم الإسلامية وفي المعاملات مع غير المسلمين وفي الادب العربي ).

 

وكانت بداية حركة التعليم ونشر السنة لاخماد البدع وتخليص العقيدة والسلوك الإسلامي من التخطيط والشعودة ، وكان الشيخ عثمان بن فودي يتجول بين الجماعات المختلفة ، ويتحدث بلغات مختلفة منها العربية والفلانية والهوسا وغيرها من اللغات . كان يدعو بين الرجال والنساء وعلي اختلاف قطاعات المجتمع ، البدو وأهل الريف والحضر ، والرعاة والزراع والطلبة والعلماء والتجار ورجال الدولة . عرف بالتقوي والصلاح مع غزارة العلم والمعرفة ورحابة الصدر وسعة الافق والتأني الحكيم ثم العزم الحاسم المتوكل علي الله ، يقول عنه ابنه محمد بل في كتابه انفاق الميسور .

 

إنه نشأ عفيفا متدينا ذا خلال مرضيه ، نسيج وحده ، انتهت إليه الإمانة وضربة إليه اباط الإبل شرقا وغربا وهو علم العلماء ورافع لواء الدين ، أحيا السنة وأمات البدعة ، ونشر العلوم وكشف الغموم ، بهر علمه العقول ، جمع بين الحقيقة والشريعة ، فسر القرآن سنين عديدة ، يحضره كبار العلماء والصلحاء عالما بقراءته وفنونه من بيان واحكام وناسخ ومنسوخ مع امامته في الحديث وفقهه في غريبه ورجاله وفنونه من بيان واحكام وناسخ ومنسوخ مع امامته في الحديث وفقهه في غريبه ورجاله وفنونه ، وفي أصول الدين ، والذود عن السنة ، ودفع الاشكال ، قائما بالحق ، صحيح النظر ، متدربا في تعليم الغوامض ، أماما في النقول العقلية ، متعبدا ناسكا ، تصدر للتدريس وبث العلم فملأ القطر المغربي معارفا وتلاميذ . يقف أهل زمانه عندما يقول ، وكان حامل لواء التحصيل وعليه مدار الشوري والفتوي ، معظما عند الخاصة والعامة مجددا علي رأس هذا القرن ، بليغا ، خطيبا ، شاعرا ، فصيحا ، فاضلا ، حسن الخلق ، جميل العشرة ، كريم الصحبة ، محققا ، شديد العارضة ، مقطوعا بولايته وقطبانيته .

 

ولنا أن نتمعن في هذا النص في اسلوبه ولغته ومحتواه كصورة لأدب وفكر تلك الفترة ، فضلا علي دلالاته علي شخصية الشيخ ومكانته وعلمه ، ومهم أن نلتفت إلي رؤية الناس له كمجدد القرن وهذا من فكر أهل السنة ثم الحديث عن ولايته وقطبانيته وهذا من فكر المتصوفة ، ومهم ايضا أن نشير إلي أن البعض وقد عرف قدره ورأي انتصاراته بعد بدء الجهاد واقامة الخلافة ، كان بحسب أنه المهدي وأن الشيخ كان ينفي عن نفسه ذلك ويهييء اتباعه لظهور المهدي عند نهاية القرن ويشير إلي اوصاف للمهدي وجدها الناس في محمد أحمد بن عبدالله المهدي في السودان يورد محمد بل ذلك قائلا( واخبرتهم بما بشرهم به من قرب ظهور المهدي وان جماعة الشيخ طلائعه ، ولاينقضي باذن الله هذا الجهاد حتي يفضي إلي المهدي ، فسمعوا واستبشروا . ويحدثنا محمد بل عن مدار تعاليم ابيه قائلا أنها كانت تدور علي خمسة أقسام :-

 

القسم الأول :

 

مافرضت به الشريعة وهي الاصول والفروع الظاهرة والباطنة .

 

القسم الثاني :

 

في الحث علي اتباع سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم .

 

القسم الثالث :

 

في رد الأوهام التي توهمها الطلبة ( وهؤلاء قد شغلوا بعلم الكلام) فشاع عند الناس أن من لم يشتغل بالتوحيد علي النمط الذي يقررون فهو كافر واشاعوا أن عوام المسلمين لاتؤكل ذبائحهم ، ولا يناكحون مخافة أن يكونوا لم يعرفوا التوحيد ، وابتلاهم الله بانتهاك حرمة خاصة أيضا فتناولوا فقهاء وقتهم من أهل العلم والدين ومن هم علي سبيل المهتدين .

 

القسم الرابع :

 

في ردع البدع الشيطانية ورد العوائد الرديئة .

 

القسم الخامس :

 

في بث العلوم الشرعية وتحديد المشكلات فيها والإفادة بالغرائب النوادر في العلوم.

 

وهكذا كان الشيخ يسعي بين قومه ليقوم عقيدتهم وسلوكهم ولم يمض به وقت كبير في جو مثقل بحركة علمية كبيرة وحركة اقتصادية واجتماعية عامة حتي كثر اتباعه واحبابه وحتي آثار ذلك اهتمام أولي الأمر من أهل السلطان ومن تبعهم بما في ذلك بعض العلماء الذين سماهم الشيخ علماء السوء لضلوعهم في ضلالة الجهلة وفساد الحكام . ولم يكن غريبا في تلك الظروف أن تكون مواجهة مع السلطة واتباعها يمتحن فيها الشيخ وجماعته بعد أن حاولوا معه اسلحة الترغيب والتودد ثم أسلحة التهديد والإرهاب يذكر محمد بل أن أعداءهم أجمعوا كيدهم علي نصب القتال بينهم وبين الشيخ لا يشكون في أن الدولة لهم لما يرون من ضعف اتباعه من المقاتلة فاجتمع أمرهم علي زجر الدعاة إلي الله ومنعهم من الوعظ وأمر كل واحد أن يرجع إلي ما وجد عليه أباءه واجداده عليه فلم يرعنا إلا أنذار أميرغوبر " نافات " لثلاثة أمور :

 

1- لم يرض لأحد أن يعظ الناس إلا الشيخ وحده .

 

2- لم يرض لاحد إلا وارثه من أبائه ولم يرث الإسلام ، فليعد إلي ما وجد عليه أباءه .

 

3- والا يتعمم أحد بعد اليوم ولاتضرب أمرأة بخمارها علي جبينها.

 

وهذا انذار في الاسواق ويشاء ربك أن يموت نافات أمير غوبر بعد ذلك بقليل لكن خلفه كما يسجل محمد بل غزا قرية من قري الإسلام علي حين غفلة من فقائها وقرائها في نهار رمضان وهم صائمون ، ونهبوا أموالهم وأسروا ذراريهم وأخذوا يفترشون الكتب والمصاحف ويحتطبون الالواح فيوقدون بها ويستهزئون بأهل الإسلام.

 

مرة أخري لابد من التمعن في هذا النص جملة وتفصيلا لم يكن الإسلام قد انتشر وكان ينتشر بفضل نشاط الشيخ وتلاميذه فقط ، ومن الملفت للنظر أنه كان يشير إليهم بالإخوان ويدعوهم بذلك في مؤلفاته مثل " نجم الإخوان " وتنبيه الإخوان علي أموال أرض السودان وتنبيه الأخوان علي جواز اتخاذ المجالس لتعليم النسوان علم فروض الأعيان من دين الله الرحمن وغيرها لكن هذا النص يشير إلي التغيير في ( الكيف) في( الجوهر ) فقد أصبحت جماعة الشيخ من الكثرة والتمييز في سلوكها وتوجهاتها ما مازها وثبتتها ووثق من عري صلاتها بعضها ببعض وجعلها تعيش في جماعات متميزة بل في قري خاصة بها أولا ، ثم ثانيا مما جعل السلطة واعوانها يلجأون إلي ما لجأوا إليه من قهر وتعد لوأد ما اصبح حركة عارمة وهيهات ، يذكر غداد بن ليما في كتابه " بسط الفوائد" أن من طبقة العلماء من طبقة الشيخ آنذاك كان حوالي 105 عالما وأن من الطبقة التي تليهم كان هناك (175) ومن طبقته هو (145) هذا خلاف ما لم يذكره من الشيوخ والطلبة والصلحاء .

 

تلك كانت بداية تحول الحركة من دعوة إلي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة إلي جماعة تري الهجرة بدينها واجبا فكانت رسالة الشيخ لإخوانه واتباعه في كتابه " بيان وجوب الهجرة " ولكن ذلك كله لم يحم الشيخ واتباعه من البغي والعدوان فأصبح الجهاد فرض عين علي الشيخ واتباعه وتتابعت انتصارات الشيخ التي عدها معاصروه واتباته من الخوارق إلي أن تأسست الخلافة العثمانية الصكتية .

 

يقول" بل " عن موقفهم من حكام ديارهم أنه لما علمنا انقطاع حبال الأمانة بيننا وبينهم وقد أعانهم علي عداوتنا جميع من كان علي مشاركتهم من السودانيين والطوارق ولم يبق لنا ملاذ وملجأ في ملوك هذه البلاد لتضافرهم علي عداوتنا وتعاونهم علي ذلك روما منهم استئصالنا اجتمعنا وتشاورنا في أمرنا وقلنا أنه لا يتأتي للناس أن يكونوا كما مهملا هملا من غير وأل فبايعنا الشيخ علي السمع والطاعة في المنشط والمكره فبايع هو علي الكتاب والسنة ليلة الخميس .

 

هكذا أصبح الشيخ أميرا للمؤمنين وقاد جهاده المظفر الذي كان ولايزال له الاثر البالغ في تاريخ الإسلام عامة وفي تاريخ بلاد الهوسا واليوربا وما أصبح فيما بعد نيجيريا الفدرالية التي نعرفها اليوم والتي يشكل المسلمون أغلبيتها الغالبة . وقد كان الشيخ واتباعه يتبعون في دعوتهم خطي الرسول صلي الله عليه وسلم وخطي الخلفاء الراشدين علهيم رضوان الله ، بوعي عميق ونية صادقة ومعرفة دقيقية لتفاصيل المسيرة النبوية والخلافة الإسلامية وبتوفيق من الله عظيم ، أن أدب تلك الفترة المعاصر لها والموجود بحمد الله بين أيدينا ليؤكد بوضوح ومن أسماء المؤلفات كتبا كانت أو رسائل أو مكاتبات شعرا ونثرا ذلك الانتماء العميق والحميم للإسلام والتشبع بروح الجهاد والغزو والاستشهاد في سبيل الله والارتباط الواعي بسيرة الجماعة المسلمة لتحقيق بعث سليم وتجديد قويم ، وهكذا تتابعت خطوات الشيخ عثمان بعد أن أخذ البيعة في تنظيم أمور الجماعة وتوالت بحمد الله الانتصارات وازدادات اعداء الجماعة وكثر المنحازون لها.

 

في ذات الوقت أخذ الشيخ وجماعته يترجمون علمهم وأفكارهم إلي واقع ملموس فقامت الخلافة الإسلامية العثمانية الصكتية كدولة إسلامية بكل ما عرف عن الدولة الإسلامية من نظم أساسية ، فكانت الخلافة القائمة علي البيعة ، وكان الوزراء والامراء والعمال والقضاة والمحتسبون ، ولم يرض الشيخ وجماعته أن يرتحلوا لاية من عواصم حكام الهوسا السابقين فقد كانت بالنسبة لهم دار كفر وآثروا أن يشيدوا عاصمتهم فأسسوا مدينة صكتو وهي عاصمة الولاية الغربية من ولايات شمال نيجيريا الآن وقد سميت الولاية باسمها ، ومن شروح تلك التسمية أنها سميت صكتو لأنها ( صكت الأعداء صكا ) ولحماية حاضرة الخلافة الفتية اقيم رباط علي مقربة منها في ( ورنو ) وكان أول حاكم لورنو محمد بل بن الشيخ عثمان وخليفته ومن مؤلفاته رسالته في ( الرباط والحراسة ) وقد أجاز الشيخ استعمال مصطلحات الحكم الهوسيه المعروفة لدي غالبية الجماعة فكان أمير ورنو يعرف بـ ( مي ورنو ).

 

لاتزال صكتو عاصمة الخلافة العثمانية عاصمة للأقليم المسمي عليها كما أن حفيد الشيخ عثمان يقطن هناك وكذلك الوزير ، ويعرف خليفة الشيخ الآن بعد أن سقطت الخلافة علي أيدي البريطانيين عام 1903 باسم ( سركن مسلمي ) أي رأس المسلمين ، ولايزال يتمتع بمكانة كبيرة في نيجيريا كرمز لوحدة المسلمين ومكانتهم ، وهو بهذه الصورة صاحب المكانة الأولي بين المسلمين في كل نيجيريا علي اختلاف ولاياتهما وقبائلها ، ولاتزال بيوت الإمارة قائمة ، والأمراء يتسلسلون إلي بداية الخلافة العثمانية الصكتية ، ومرد ذلك أن البريطانيين الذين أفلحوا في اسقاط الخلافة وقتل الخليفة الطاهر وقد استشهد في ( برمي) وهو في سبيله شرقا للإتصال بالسودان لم يفلحوا في طمس معالمها.

 

سقطت الخلافة العثمانية الصكتية شكلا عند احتلال بريطانيا لها في مطلع القرن العشرين عام 1903م بعد أن احاطت بها قواتها من الجنوب والغرب والشمال ، وكانت بريطانيا قد احتلت مصر عام 1882 واحتلت السودان عام 1898 في وقت كانت فيه كل شمال إفريقيا تقريبا قد سقطت لفرنسا التي توغلت قواتها في وسط افريقيا متجهة شرقا لتشاد( الشط) ولجنوب السودان وكان ذلك التسابق الجنوني بين الإنجليز والفرنسيين والبلجيك لاحتلال المناطق الهامة في جنوب بلاد سودان وادي النيل المنتهي بحادثة فاشودة المشهورة ، سقطت الخلافة مجاهدة ولم تلق سلاح المقاومة بعد سقوطها تماما كما لم يلق أنصار المهدي سلاح المقاومة بعد هزيمة كرري . وكان الخليفة الشهيد الطاهر يتجه شرقا ليلتقي بالأنصار وقد كان للمهدي أنصار من اسرة الشيخ عثمان بن فودي واتباعهم بقيادة حياة بن سعيد بن محمد بل الذي كان علي اتصال بالمهدية بالسودان وكان ممثلا لها في الغرب أي في شرق الخلافة الصكتية حيث اتجه السلطان الشهيد.

 

لم يواجه البريطنيون دولة قد انهارت دعائمها بالاحتلال وهزيمة الجيوش ، أو شعبا فقد الثقة في نفسه وفي عقيدته ، وجدت عكس ذلك تماما . وجدت الإدارة تحت الوزير والأمراء متماسكة ومتفاعلة رغم الهزة الكبيرة التي واجهتها ، ووجدت العشب يحتمي بدينه وفي عقديته ، ويتوب إلي الله في محنته مفسرا كل ما حدث لمشيئة الله وقدرته مقتنعا بأن ما تم محنة وابتلاء وأن العلو سيكون لكلمة الله وبأنه ستدور علي البغاة الدوائر ، وهكذا تعكس المصادر الحالة التي كانت الجماعة المسلمة فيها والوضع الذي واجه البريطانيين فكان لابد أن يذعنوا له فأمنوا الوزير علي احترام المسلمين وعقيدتهم وشعائرهم وارتضوا أن يتعاملوا مع الوضع الإداري ( الوزير والأمراء ) كما وجدوه . أن ما عرف بنظرية " الحكم غير المباشر " الذي طبقه الإنجليز في نيجيريا فوي السودان وفي الهند من قبل ونسب للوقارد لم يكن في الواقع إلا اعترافا من البريطانيين بما وجدوه وان غيره سوف يكلفهم الخسران المبين ، أنه ذلك الواقع الذي ظل يلاحق البريطانيين حتي استقلت نيجيريا عام 1960م .

 

وما من شك في أن فترة الاستعمار البريطاني التي مهد لها وارتبط بها الزحف التبشيري والثقافي الغربي وان الطغيان العسكري والإداري والتعليمي الذي لازم تلك الفترة قد اعاق نمو وتطور المجتمع النيجيري المسلم وما من شك في أن سياسات البريطانيين لتثبيت الاقليمية والقبلية والعرقية في نيجيريا فقد أعاقت انصهار النيجيرين في أمة موحدة سياسيا وثقافيا – تماما كما فعل في السودان لكن الذي لاشك فيه ايضا أن حركة دان فودي المظفرة ، التي اقامت الجهاد بعد أن أحدثت ثورة عقائدية وثقافية وسلوكية واجتماعية ، واقامت الدولة خلافة اسلامية أحيت التراث وجددت الدين ، وامتدت لما يقرب من قرن من الزمان ، وجمعت تحت راياتها كل بلاد الهوسا والنفي وجزءا كبيرا من بالد اليوربا ، قد جاءت في أوانها في وقت كان مفترق طرق بحق لمستقبل ذلك القطر الكبير في غرب إفريقية عند هجمة الاستعمار والصليبيين ، أنه الحسيب المقيت الذي هيأ لتلك الحركة من القيادة والرجال والاسباب ما مكنها من تملك ناصية الأمور في تلك الفترة الحركة لتؤكد وتعمق الهوية الإسلامية بين الشعب النيجيري من الهوسا والفلاني والنفي واليوربا وغيرهم ، لقد وفق الله الشيخ وجماعته وتابعيهم وابناءه من صب التيارات المتصارعة في جدول الدعوة وقوالبها اجتهادا وجهادا في تنقية العقيدة وتطبيق الشريعة وتخليص الجماعة وتوحيد الأمة .

 

وفي هذا الإطار الإسلامي كانت اللغة العربية هنالك آنذاك , ولايزال لها من الجذور العميقة في المجتمع النيجري واللغات النيجرية المختلفة لاسيما الهوسا والفلاني وإلي حد ما اليوربا ما يمكنها أي اللغة العربية أن تستعيد مكانتها فهي لغة القرآن والإسلام ولغة أهل الجنة عند المسلمين وهم الغالبية الغالبة في كل نيجريا ، لقد تمت" اسلمة " تلك اللغات أن صح هذا التعبير بفضل حركة أبن فودي وما عمته من الكمات والتعابير والمصطلحات العربية الإسلامية وما نشرته من خلاوي القرآن ومجالس العلم والمعلمين وما حققته من رفع شأن( المعلمين )( والمؤدين ) في المجتمع حتي أصبحت كلمة ( معلم ) وكلمة ) ( مؤدب ) ( غشارة لمكانة مرموقة بين الناس ، ومع اللغو العربية انتشر الحرف العربي كأهم وأول حرف للكتابة باللغات الأخري ( كالفلاني ( ( والهوسا) واليوربا ) ( والنفي ) وعدلت الحروف العربية لتلائم تلك اللغات وعرف ذلك بالحروف العجمية تماما كما حدث من قبل بالنسبة للفارسية والاردنية والتركية العثمانية ، يذكر الاستاذ الدكتور سيخو أحمد سعيد غلادنت في مؤلفه ( حركة اللغة العربية وآدابها في نيجريا)

 

1- قامت المدارس القرآنية بدور مهم في نشر الثقافة الإسلامية في نيجيريا كما قامت بمجهودات كثيرة في مجال محو الأمية .

 

2- يرجع الفضل الأكبر في نشر اللغة العربية في نيجيريا في القرن الماضي إلي الحركة الثورية الإصلاحية التي قام بها الشيخ عثمان بن فودي .

 

3- ازدهرت اللغة العربية في القرن التاسع عشر ووصلت إلي مستوي عال في نيجريلا ولايقل مستوي بعض المؤلفات في الفترة عن مستوي الكتب التي ألفت في الفترة نفسها في البلاد العربية .

 

ولاينبئك مثل خبير فالمؤلف كان مديرا لجامعة صكتو وكان قبلها عميدا لكلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة بايرو بكنو والشاهد اننا لا نجد حتي الآن فيما عرفناه عن المؤلفات والعلماء والمؤلفين في بلاد سودان وادي النيل قبل القرن العشرين ما يماثل أو ميقارب ما وجدناه.

 

وإن كل هذه كانت تتحدث عن المهدي المنتظر والمهدية وأنه في جو تمكنت فيه الحركات الصوفية من المجتمع وفكره الديني كان ابن ادريس يسمي المهدي ( الختم ) أحيانا ولا ننسي هنا أنه قبل ظهور المهدي ظهرت ومن أحد تلاميذ1 السيد أحمد بن أدريس الطريقة ( الختمية ) ولقد أشرنا من قبل في حديثنا عن ابن فودي أن فكرة المهدي والمهدية من صميم التراث والتوقعات الدينية في غرب إفريقية وان الشيخ عثمان بن فودي قد تحدث عن ذلك نافيا عن نفسه أن يكون المهدي ومبشرا جماعته المنتصرة انها طلائع المهدي وإن حركته لن تخمد حتي تقترن بالمهدية ، بل أننا لانبالغ إذا قلنا أن العالم الإسلامي كان يعيش ازمة نفسية حادة من جراء الهجمة الغربية الصليبية وما تلاها من هزائم عسكرية واحتلال من عالم الكفر ولايزال ، وإن تلك الظروف القاسية كانت بلاشك تهييء الكثيرين وفي اجزاء عديدة من بلاد الإسلام لمثل تلك الأفكار ومن ثم تعدد دعوات " المهدية " قبل محمد أحمد بن عبدالله وبعده ولكن ليس كمثله .

 

بلاد العرب بلاد سودان وادي النيل انفردت بوضع متميز عن البلاد العربية الإسلامية الأخري فعلي قربها من بلاد العرب ، وصلتها الابدية الحميمة بمصر ، ورغم بكور دخول الإسلام فيها ، ظلت خارج حوزة الخلافة الإسلامية الراشدة منها والأموية والعباسية أو العثمانية التركية ظلت علي هامش ذلك العالم ولم تكن التغيرات والتيارات الفكرية والسياسية والاقتصادية المتجددة والمتكررة لتمسها إلا بقدر يسير وعلي طول زمان ذلك أن الأمة السودانية كانت ولعلها لاتزال في طور التكوين البشري والجغرافي والسياسي ، واستمر ذلك الحال حتي مطلع القرن التاسع عشر .

 

بقيت الممالك المسيحية في بلاد النوبة الممتدة من حدود مصر وحتي سنار في أواسط الجزيرة حيا كميت منذ ظهور الإسلام وحتي القرن الخامس عشر ، لا تمثل الا سلطة متكاملة مع الزمان وديانة لم يتح لها إلا القليل بين سكان ضفاف النهر بينما كان الإسلام واللغة العربية والقبائل العربية تنتشر وتغلب علي المجتمعات النوبية والمجتمعات البدوية العربية والنوبية ومن كانت تتصل به من الجماعات الزنجية في الغرب وفي الجنوب في بلد شاسع تمتد ارضه من المدار الشمالي وحتي خط الاستواء ، نعم لقد حدثت تحولات كبيرة وخطيرة في القرن الخامس عشر وقبيلة وبعده ، اصبح الإسلام الكم والكيف . صارت له السلطة والدولة ، اصبح له النفوذ السياسي ووجدت شريعة الله سبيلها للناس .

 

حدث ذلك عندما قامت الممالك الإسلامية في الغرب والوسط والشمال في تقلي والمسبعات وفي سنار التي امتدت سلطتها حتي مصر وعرفت ( بالسلطنة الزرقاء ) وكان كلككل ذلك لانتشار القرآن وازدياد العلماء والتوسع في الصلات المتنوعة مع العالم الإسلامي المجاور في مصر وفي الحجاز وفي تونس وليبيا والمغرب ، واستمرت تلك التغيرات تزيد من حركة أهل بلاد سودان وادي النيل واتصالهم في الداخل بعضهم ببعض فيزداد الإسلام انتشارا وتزداد حركة انتشار اللغة العربية وما يسعها من قيم ومفهومات وسلوك ، ويبلغ ذلك الاجزاء الجنوبية منه ، ولنفس القدر كانت حركة الاتصال بالخارج تزداد فكانت للنساريين اروقتهم المعروفة بهم في الأزهر الشريف وكان لهم حجيجهم المعروف بهم في الحجاز وكان لهم علماؤهم وشيوخهم وتجارهم المعروفون في عالمهم المجاور القريب منه والبعيد ذلك في بلاد الخلافة العثمانية الصكتية ، وما ندري فقد تثبت الأيام غير ذلك والله أعلم .

 

وبعد أن نجيريا الآن أكثر البلاد الإفريقية سكانا ، وغالبيتها الغالبة مسلمة ، وهي جزء من العالم الإسلامي ، وقد جاء الوقت الذي تحجب عنها فيه خريطة العالم العربي الممتد من المحيط إلي الخليج خارطة العالم الإسلامي الممتدة أبعد من ذلك بكثير والتي يشكل العالم العربي الإسلامي منها الجزء الأوسط والوسيط والاقل رقعة وسكانا رغم الأهمية البالغة التي يتمتع بها والتي تقلل منها نظرةضيقة تباعد بين العرب في آسيا والغالبية الغالبة من المسلمين الآسيويين وبين العرب في إفريقية والغالبية الغالبة من المسلمين الإفريقيين ، ليتذكر المسلمون العرب في إفريقية أن لفظة ( إفريقي ) كانت اصلا انتسابا لإفريقية ( وهي من بلاد العرب في شمال إفريقية ) كما أن نيجريا الآن من الانتماء للعالم الإسلامي والعقيدة الإسلامية والثقافية العربية الإسلامية والتراث العربي الغسلامي ، وبواكير النهضة الإسلامية ما يؤكد أهمية الدور الذي لعبته حركة عثمان بن فودي ويؤكد أهمية نيجريا ومكانتها من العالم الإسلامي زي

Tags:
ra(7)

Bookmark & Share:

Please Like Us
Please Like Us