قد اشتهرت مدن إبان فترة الاستعمار وقبلها بكونها مراكز للعلم ويتوافد عليها طلاب العلم من كل أنحاء البلاد، وقد لعبت دوراً هاما في حفظ الإسلام واللغة العربية في فترة الاستعمار، وبعض هذه المراكز مازالت تؤدي دورها وبعضها لم تعد تؤدي دورها لظهور المدارس النظامية الحديثة. ومن أحدث المراكز مركز تيوتا وقد أنشأ في عهد الاستعمار وذلك بفضل عالمها الشيخ أبي بكر هاشم، وسوف نتناول المراكز المهمة. وهي:
1 – مركز ساي (SAY): ويعتبر ساي من المراكز العلمية الكبرى في النيجر قبل الاستعمار وأثنائه وبعد الاستقلال واعترافا بفضله وريادته في التعليم الإسلامي أسس فيها المدرسة العربية النظامية الأولى في النيجر في عام 1957م، وكذلك أسس فيها في عام 1986م الجامعة الإسلامية بالنيجر خاصة، وبمنطقة غرب إفريقيا عامة.
وتقع مدينة ساي على ضفة نهر النيجر اليسرى على بعد 55 كيلومتر جنوب نيامي العاصمة. وقد أسسها عالم من علماء الفلاني الذي هاجر من مالي في القرن التاسع عشر الميلادي يدعى مَمَنْ جُبُو، وتتضارب الروايات الشفهوية والكتابية -مع قلتها- حول تاريخ تأسيس الشيخ ممن جبو للمدينة وتقدر بعض المصادر أنه وصل إلى ضفة نهر النيجر التى أسس فيها المدينة عام 1812م ، بينما يذهب البعض إلى أنه استقر بها في عام 1800م ، وتقول بعض المصادر الغربية أنه غادر غاو (GAO) -في مالي- عام 1815 للحج حتى وصل إلى دارفور في السودان الشرقي ثم رجع للجهاد في دولة سنغاي ، بينما تذهب الروايات الشفوية والكتابية المحلية إلى أنه استقر في ساي بعد مغادرته جزيرة نَيْني (NEINI) –مقابل نيامي- التي مكث فيها سبع سنوات ثم واصل رحلته -التي بدأها من ماسينا في مالي- بعد سوء تفاهمه مع سكان الجزيرة- إلى أن استقر في ساي عام 1825م . ومهما تضاربت الروايات حول تاريخ تأسيسه للمدينة فالمهم أنه استقر بها مع بداية القرن التاسع عشر الميلادي، وقد جعل الشيخ ممن من مدينة ساي مركزا دينيا وثقافيا هاما لمنطقة غرب النيجر، وسارت لها شهرة دينية انشترت على طول مجرى النهر من غاو حتى غيا (GAYA) وصار لها كذلك مكانة اقتصادية لموقعها على النهر ومرور التجار الذين يأتون من مالي إلى سكت عليها سواء عن طريق النهر أو البر، وكذلك صار لها مكانة سياسية في منطقة النهر حتى كانت تتدخل كثيرا في فض النـزاعات التي تقع بين حكام منطقة النهر -مثل كورتي وسنغاي لما اختلفوا حول جزر النهر طلبوا من ساي أن تتدخل لتصلح بينهم-. ولما أسس الشيخ عثمان دن فوديو دولته الإسلامية في المنطقة كان للشيخ ممن جبو علاقة طبيعية معها وبخاصة غندو (GANDOU) وقد ظل الشيخ يمارس تعليمه الديني في مدينة ساي، ويتوافد عليه طلاب العلم من كل أنحاء النيجر، إلى أن توفي في عام 1840م، وقيل 1842م وقيل 1836، وقيل 1834. و مما يؤسف عليه أن الشيخ ممن جبو -رحمه الله تعالى- لم يترك مؤلفا، وإنما كان يكتفي بتحرير نصوص وأناشيد دينية على الألواح لتلقين العلم لطلابه ، ولكنه قد ترك مركزا علميا مازال شعاعه العلمي ماثلا أمام أعيننا، وخلف دولة تحكمها الشريعة الإسلامية إلى أن دخلها الاستعمار الفرنسي في عام 1895م الذي محا تطبيق الشريعة الإسلامية. وصارت مدينة ساي أحد المراكز العسكرية للاستعمار الفرنسي في عام 1897م وحاول الاستعمار الخفض من شأنها الديني مما جعل كثيرا من علمائها وطلاب العلم يهاجرون منها ولم يبق فيها في عام 1902 سوى 300 نسمة بينما كان يسكنها بين عام 1830 – 1850 حوالي ثلاثين ألف نسمة، ولكن مع ذلك ظلت تحتفظ بمركزها الديني لأن سكانها استمروا في الحفاظ على مدارسهم التقليدية وكان على رأس مدارسها في عهد الاستعمار مدرسة الشيخ بابا رازي –أول مدير نيجري لمدرستها لما أسست عام 1957- وكان له حلقة علمية كبيرة في حي مودباجي (MOUDIBAJE) ، وقد أسس مركز مودباجي منذ تأسيس ساي، وكان سكانها مشهورين بالعلم والعلماء، وقد اشتهر الشيخ بابا رازي بتفسيره للقرآن الكريم بلغة زرما. ومن المدارس التقليدية المشهورة في ساي إلى الآن مدرسة زورغي ZOURAGAI التي تأسست مع تأسيس المدينة وكان على رأسها أيام الاستعمار الشيخ إسماعيل –والد مفتي النيجر اليوم الشيخ عمر إسماعيل- ومازالت مدرستها تؤدي دورها، وبالرغم من أنها فقدت جل طلابها مع كثرة المدارس النظامية إلا أنها تعتبر الأولى من نوعها من حيث عدد طلابها.
ومدارس ساي نوعان:
1 – الدائمة: وهي التي تكون في بيوت ومساجد علماء المدينة الأصليين وهي تستمر طوال السنة بدون انقطاع.
2 – المؤقتة: وهي التي تبدأ الدراسة فيها مع نهاية موسم الأمطار في شهر أكتوبر إلى شهر مايو حيث يرجع الطلاب والعلماء الوافدين إلى قراهم للزراعة.
ومما يلاحظ على مركز ساي ندرة إنتاج علمائها أي عدم تأليفهم للكتب، و إن كان قد جمع DEGIRONCOURT في ناحية ساي وخصوصا في مدينة ساي عام 1912 حوالي 233 مخطوطا عربيا ولكنها تمثل المقررات للمدارس العلمية فيها ، وهذا يدل على كثرة الكتب العربية في المنطقة وكثرة طلابها.
وإلى جانب ساي توجد مراكز أخرى ولكن شهرتها أقل من شهرة ساي لأن شهرتها كمراكز للعلم متعلقة بعالم معين وتتلاشى الشهرة مع وفاة العالم ومن ذلك مركز سندر (SINDAR) فقد اشتهر كمركز للعلوم الشرعية واللغوية إبان الاستعمار في عهد الشيخ يوسف بن خليل -ستأتي ترجمته في الفصل الثالث من هذا الباب- وألفا غتو كوري، وألفا نَيْني ثم خمد بعد ذلك بوفاة ألفا نيني.
وكذلك مركز لاتا (LATA) في عهد الشيخ حسن لاتا وكانت لاتا في عهده تكاد تفوق مركز ساي ولكن المركز تلاشى بعد وفاته في عام 1969م، وقد تخرج على يديه علماء أجلاء وبخاصة في مجال علم الحديث والعقيدة، ولكن أغلبهم من الوافدين عليها فرجعوا إلى بلدانهم بعد وفاة الشيخ رحمه الله تعالى .
ومنها مركز وندباغو (WINDEBAGOU) في عهد الشيخ سومى الذي تخرج من نيجيريا ولما رجع أسس مركزا كبيرا في منطقة بُبُويْ BOUBOE وتوافد عليه طلاب من أنحاء النيجر الغربي، وقد درس على يديه الشيخ أبي بكر هاشم شيخ الطريقة التجانية في النيجر وغيرها.
2 – مركز زندر:
زندر العاصمة الثانية لجمهورية النيجر وتبعد عن العاصمة بحوالي 900 كيلومتر شرقا، ويعود تاريخ تأسيس مدينة زندر إلى مستهل القرن التاسع عشر الميلادي، حيث أصبحت عاصمة لسلطنة دامغارم (DAMAGARAM) عام 1809م في عهد سلطانها سليمان طَنْ تنيمون مؤسس السلطنة، وقد كان البلد قبله تابعا لمملكة برنو، ولكنه استطاع أن يستقل بدامغارم، وأسس جيشا قويا جهزه بالبنادق وبالمدافع، وأحاط العاصمة (زندر) بسور متين (عشرة أمتار علوا وما بين 12 إلى 14 سمكا) واستطاع أن يخضع المناطق المجاورة أو الدول المجاورة إلى دولته مثل: مونيو (MUNIO) ودورا (DAURA) وكانس (KANCE) وفي عهد تانيمون باكي جاتى (BAKIJATOU) 1851-1884م اجتهد في تطبيق الشريعة الإسلامية، ونشر اللغة العربية، وذلك بمعاونة الشيخ سليمان بن إبراهيم غوبري الأصل، فبدأ بمحاربة التقاليد الجاهلية المنتشرة في الدولة، ثم بنى مسجدا كبيرا للمدينة في عام 1856م، وقد صارت المدينة في عهده مركزا هاما لتدريس الإسلام واللغة العربية، وقد بلغ عدد المدارس القرآنية الرسمية حوالي خمسين مدرسة وعشرين حلقة علمية في مدينة زندر فقط ، ويقول بول مارتي (PAUL MARTEY) في الإحصائيات التي أجراها للمدارس القرآنية والحلقات العلمية وللتلاميذ والطلاب والعلماء في مديرية زندر حوالي عام 1929م "وفي مديرية زندر وجدنا مائة وخمس وثمانين مدرسة، وثمانمائة تلميذ، وأما مدينة زندر فهي المركز الثقافي الكبير ففيها 34 مدرسة و3600 تلميذا -هذه هي الرسمية المعروفة- وهناك مدارس هي عبارة عن مدارس خاصة بأسر- أي تجد في كل أسرة عالم يعلم أطفاله وأهله وجيرانه القرآن ومبادئ الدين" ثم ذكر عدد العلماء بقوله: "ويبلغ عدد العلماء الذين يتولون التدريس في مدينة زندر حوالي 54 عالما" هذه الإحصائيات -التي نعتبرها غير نزيهة لاشتهار الرجل بكرهه وعدائه للإسلام والمسلمين!!- تدل على مدى انتشار التعليم العربي الإسلامي في هذا المركز والمراكز المجاورة لها مثل مغريا (MAGARIA) -جنوب زندر- التي يبلغ عدد مدارسها 224 مدرسة وعدد تلاميذها 732 تلميذا . وقد كان علماء زندر يبعثون بأبنائهم وطلابهم إلى سكت وكاتشنا وكانو وكاتغوم لمواصلة دراستهم لدى علماء تلك البلدان.
ولكن الملاحظ أن عدد مدارس المركز وتلاميذها وعلمائها لم يعد يزيد بعد ثبوت أقدام الاستعمار في البلاد لأن الاستعمار وضع قيوداً صارمة على العلماء، ومنع بعضهم من السفر لطلب العلم، وشدد في منح الترخيص لفتح المدارس القرآنية، وفرض شروطا قاسية لافتتاحها، وأخضعت المدارس القرآنية لرقابة السلطات الإدارية الاستعمارية، وهذا ما صرح به بول مارتي بعد فترة من الإحصائية الأولى حيث قال "في عهد سلطان تنيمون كانت زندر مركزا للتعليم … ولكن عدد المدارس والطلاب انخفض جدا مع استمرار الاستعمار" ، وقد حمل لواء التعليم الإسلامي في مدينة زندر في عهد الاستعمار مدارس عدة ومن أهمها: مدرسة الشيخ حسن بن سليمان في برن زندر التي فيها أكثر من 24 طالبا يدرسون دراسة دينية عالية ، ومدرسة الشيخ يوسف سليمان في زُنْغُو وكان كاتبا جيدا ولكن وللأسف لم يصلنا شيء مما كتب، ومدرسة مالم موسى كدي –قاضي- ومدرسة مالم فضل وهذا في حي زنغو وحدها، وفي غيرها من الأحياء والمدن والقرى المجاورة مدارس وعلماء كثر، ولكن وللأسف لم يصلنا من مؤلفاتهم شيء إلا ما كتبه الشيخ جنيدو –رحمه الله تعالى- وستأتي في الفصل الثالث، وهو مؤسس مركز غوري (GOURE) الواقع شر زندر.
3 - مراكز الشمال:
المقصود بالشمال -كما سبق في الباب الأول- منقطة آير وأزواد ويدخل فيها مدينة أغاديس وتاوا والأنحاء المجاورة. وأصبحت مدينة أغاديس مركزا إسلاميا في القرن السادس عشر الميلادي، وذلك بفضل استقرار السلطة فيها، والقضاء على تيجد (TIGEDDA) عام 1561م التي كانت مركزاً إسلاميا هاما قبل مجيء ابن بطوطة إليها عام 1353م لقد انتصر سلطان آير الغديل (ALGADIL) على تيجدا (TIGEDDA) وتغلب عليها فانتشر علماؤها في آير واستقر طائفة منهم في مدينة أغاديس مثل شمس الدين النجيب الذي أسس حلقة علمية فيها وبدأ ينشر العلم فيها وتوافد عليه طلاب العلم، وأصبحت مدينة أغاديس تضم في نهاية القرن السادس عشر حوالي خمسين مسجدا للصلاة والتعليم، وكذلك المناطق المحيطة بها، ولكن دورها كمركز ديني وعلمي قد تراجع في القرن الثامن عشر الميلادي لضعف سلاطينها وانعدام الأمن فيها، وعادت إليها الحياة والاستقرار في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي وظهر فيها علماء مثل الشيخ جبريل بن عمر حيث توافد إليه طلاب العلم للنهل من علمه وعلى رأسهم الشيخ عثمان بن فوديو أخوه عبد الله بن فوديو، وقد غادرها الشيخ جبريل إلى الجنوب لما هدده سكانها لسبب دعوته الإصلاحية، وعادت إلى حالتها السابقة وحين وصلتها بعثة فورو لامي FOURO LAMY في مطلع القرن العشرين وجد ثلاثة أرباع من منازلها خربت، ولا يتعدى عدد سكانها 555 نسمة ولكن القصة التي قصمت ظهر المدينة ثقافيا وأمنيا هي حملة القمع الشرسة التي شهدتها في ثورة كاوسن عام 1916م حيث ذبح أغلب العلماء الذين تجمعوا في المساجد من أجل طلب السلام، وتلتها مجازر أخرى في عام 1918 و1920 و1930 ثم بدأت بعد هذه النكبات المتتالية على يد الاستعمار الفرنسي، بدأت تستعيد مكانتها الثقافية فعاد إليها الحياة المستقرة وتوافد عليها العلماء وطلاب العلم وعقدت حلقات العلم في مساجدها ومن الحلقات العلمية في عهد الاستعمار حلقة الشيخ أبو سعيد خطيطة، والشيخ حسن الحاج والشيخ حمى الحاج والشيخ يوسف صالح، والشيخ عثمان عبد الله، والشيخ أمه الحاج دبي، والشيخ موسى إبراهيم، ومنهم الشيخ بخاري تانودي الذي تخرج من مدرسة العلوم العربية والدراسات الإسلامية العالية بمدينة كانو عام 1966 وكان عالما قبل التحاقه بالمدرسة حيث قامت الحكومة آنذاك ببعث طلبة العلم إلى الدول العربية للدراسة العصرية النظامية.
ومن مراكز شمال النيجر مركز أزواغ (AZAWAG) وهي تلك المنقطة الواقعة في شمال منطقة تاوا (TAHOUA) وتشمل محافظتي أبلغ (ABALAK) وتنتبرادن (TCHIN-TABARADEN) وقد عرفت المنطقة نهضة إسلامية كبيرة خلال القرون الوسطى وقام فيها حركات الجهاد في سبيل السنة وإخماد البدعة مثل حركة الشيخ حداحد (HADAHADA) والشيخ محمد الجيلاني كما أنجبت المنطقة فطاحل أسسوا مراكز للعلم وتوافد عليهم طلاب العلم مثل الشيخ محمد الصحو بن محمد الطاهر والشيخ القاسم بن إبراهيم الدغمي والشيخ العلامة محمد أغ شفيع والشيخ عثمان سمبو الفلاني -الذي استقر في أزواغ لنشر العلم بعد عودته من الحج-.
وكذلك وجد مراكز علمية متنقلة في شمال النيجر لدى قبائل كُلْسوك (KOL-SOUK) الطوارقية المشهورة باشتغالها بالعلم والبراعة في الخط العربي، وكذلك اشتهرت قبائل كنتة العربية بالعلم والعلماء والشعراء ومن أشهر علمائها في فترة الاستعمار العلامة الشيخ محمد باي بن الشيخ عمر بن الشيخ سيدي محمد المختار الكبير. ومنهم الشاعر الشيخ سيدي عمر بن سيدي علي الكنتي صاحب قصيدة الحث على الجهاد.
4 - مركز ثيوتا (KIOTA):
ويقع هذا المركز في شرق العاصمة نيامي ويبعد عنها بحوالي 130 كيلومتر في منطقة دوسو (DOSSO) وهو من أحدث المراكز حيث لم يبدأ يشتهر كمركز إلا بعد عام 1951 لما استقر بالمدينة الشيخ أبو بكر هاشم. ولقد تأسست قرية ثيوتا في أواسط القرن السادس عشر الميلادي على يدي زعيم من زعماء قبيلة زرما وهو زام حالي كواد (ZAM-HALI-KOADE) وقد كانت مدينة برني غوري (BIRNI GAORE) قبل اشتهار ثيوتا مركزا علميا منذ تأسيسها على يدي الشيخ علي أنا (ALI ANNA) بعد عودته من الحج في نهاية القرن السابع عشر الميلادي، وقد أقام بها حوالي 44 سنة قضاها في التدريس ونشر العلم بين أوساط قبائل زرما والفلاني، ثم عاد إلى بلاده ماسينا (في مالي) واستمر ابنه سمبو (SAMBO) في التدريس ونشر العلم إلى أن توفي، وقام بأمر الحلقة بعده ابنه أبو بكر لودوجي وكان ضريراً ولكنه لم يتكن من متابعة عمل جده وأبيه لقسوته على السكان مما جعلهم يتمردون عليه.
ولما قام الشيخ عثمان بن فوديو بالجهاد في بلاد الهوسا (في 1804م) أظهر أبو بكر لودوجي رغبته في الجهاد بين قبائل زرما الذين رضوا وتبعوا جده في دعوته الإسلامية الإصلاحية إلا قليلا منهم مما جعل قبائل زرما تتمرد عليه وعلى رأسهم حما بغران (HAMA BOUGARAN) أحد طلبة الشيخ سمبو علي والد أبي بكر لودوجي، فاستطاع أن يهزم الشيخ أبي بكر وإحراق مدينته في عام 1808م وهرب الشيخ أبو بكر من المدينة ولم يستطع أن يرجع إليها إلا بمساعدة الشيخ محمد بلو الذي صالح بينه وبين قبائل زرما، وبعد استقراره أسس مدينة جديدة اسمها تمكلا (TAMKALA) عام 1831م، ولكنها لم تسترجع الدور الذي قام به مدينة برني في نشر العلم والدين في المنطقة، وإنما عاد ذلك إلى مدينة ساي في عهد ممن جبو كما سبق ذكره في المركز الأول، ولم يكن في المنطقة مركز علمي مشهور بعد ذلك إلا في القرن الماضي –العشرين- حيث كانت قرية ونْدِباغو (WINDEBAGOU) مركزا علميا في عهد عالمها الشيخ سومى الذي عاد إلى قريته بعد طلبه للعلم في سكت وغيرها واستقر بها لنشر العلم الشرعي واللغوي وقد درس عليه مؤسس مركز ثيوتا الشيخ أبي بكر هاشم، وقد انخفضت شهرة المركز بعد تأسيس مركز ثيوتا، ووفاة مؤسسها الشيخ سومى1987م بعد عمر طويل، رحمه الله تعالى.
وقد ولد مؤسس مركز ثيوتا العلمي الشيخ أبو بكر هاشم عام 1914 في قرية ثيوتا وتلقى العلم على علماء قريته، ثم رحل لطلب العلم وعمره 17 سنة حيث درس على الشيخ سومى في وندباغو ثم واصل رحلته العلمية إلى شمال نيجيريا، فدرس على علماء غندو وزاريا وواصل رحلته إلى مكة المكرمة عن طريق البر، وبعد رجوعه ذهب إلى الشيخ إبراهيم نياس شيخ الطريقة التجانية في السنغال وأقام عنده حوالي خمسة أشهر يتتلمذ عليه وتزوج بابنته أم الخير، وبعد عودته من كولخ استقر في قريته ثيوتا التي أصبحت مركزا علميا كبيرا وبخاصة للتجانيين حيث يتوافد عليها طلاب العلم لدراسة على يدي الشيخ وتلقي الطريقة التجانية، وعلى الشيوخ المنتشرين في المدينة، وقد أنجبت ثيوتا علماء وشعراء كبار مثل الشيخ زكريا رباني والشيخ علي بيرني، والشاعر عثمان وندباغو وغيرهم كثير، ومازالت المدينة تؤدي دورها العلمي في النيجر خاصة، وغرب إفريقيا عامة، وبالأخص لأتباع الطريقة التجانية.
-----------------
الهوامش:
1 - الحضارة الإسلامية في النيجر ص121
2 - النيجر اليوم، ص148
3 - وهذا القول منقول عن مؤلف غربي اسمه F. H. LEN وهذا ديدنهم في ربط الحركات الإصلاحية في السودان الغربي بالحج مثل ما أشاعوا عن الشيخ عثمان بن فوديو، وينكر أحفاد الشيخ الرواية كل إنكار، انظر: حسن مولاي منهجية مدارس القرآنية في إفريقيا جنوب الصحراء (ساي نموذجا) دكتوراه في باريس عام 1994، ص24
4 - وهي التي يميل إليها أحفاده في ساي، HASSANE, MOULAY, IBID P 35
- HASSANE MOULAY, IBID P. 73- 5
6 - الحضارة الإسلامية في النيجر، ص79، كلمة فلانية تعني حي العلماء، ويعني سكانها بالعلم والتعليم منذ عهد مؤسس المدينة واسم جدهم الذي هاجر مع الشيخ ممن جبو كابي والمعلومات عنه قليلة، وهم الذين يتولون القضاء والإمامة في ساي.
7 - الحضارة الإسلامية في النيجر، ص81
8 - قرية تقع في جزيرة بقرب منطقة تيلابيري (TILLABERI)
9 - قرية تقع إلى غرب من العاصمة بحوالي ستين كيلومتر على نهر النيجر
10 - ومن طلابه الذين اشتهروا في النيجر الشيخ الخضر سعد رحمه الله تعالى، والشيخ الحبيب ميغا في مالي وغيرهما.
11 - تقع في منطقة دوسو وتبعد عنها حوالي 36 كيلومتر
12 - ومن طلابه سفير النيجر السابق في السعودية والخليج الحاج عمر، والشيخ عثمان نوح شيخ الطريقة التجانية في بنغلا BANGOULA
13 - الحضارة الإسلامية في النيجر، ص96
14 - بتصرف L’ISLAM ET LES TRIBUS DANS LA COLONIE DU NIGER P.417
15 - المصدر السابق، ص417
16 - المصدر السابق، ص417
17 - المصدر السابق، ص193 بتصرف
18 - المصدر السابق، ص401
19 - الحضارة الإسلامية في النيجر، ص68 بتصرف
20 - الشيخ بخاري تانودي، نبذة عن حياتي، ص3، مخطوط، وله كتاب في تاريخ زندر بعنوان "ضياء النيجر في تاريخ زندر"، ولا يزال مخطوطا.
21 - العلاقة العريقة بين مناطق الشمال الإفريقي وجنوب الصحراء الكبرى وغرب إفريقيا في مجال الثقافة العربية الإسلامية، حوليات الجامعة الإسلامية بالنيجر، العدد الثالث 1996، ص62، محمد أغ شفيع
22 - انظر إنفاق الميسور، ص147
23 - الحضارة الإسلامية في النيجر، ص82-83 بتصرف
|